تُعتبر المسائل الروحية والدينية من الأمور الحيوية التي توليها المجتمعات اهتماماً كبيراً. ومن بين القضايا المهمة التي قد تُطرح في سياق العبادة والدعاء هي مسألة تحديد الأفضل بين الذبح والصدقة. هل يجب على المؤمن أن يذبح طلباً للشفاء عند المرض أم يكفي أن يتصدق؟ يُظهر البحث في هاتين الشعيرتين مقدار الفضل والمكانة التي يتمتع بها كل منهما، مما يستدعي التفكير والدراسة لاختيار ما يُناسب الموقف. فلكل منهما مزايا خاصة وثواب عظيم عند الله، وفيما يلي نستعرض جوانب الحديث حول هذا الموضوع.
أيهما أفضل الذبح أم الصدقة؟
يُمثل الذبح إحدى شعائر الإسلام العظيمة التي تحمل الفضل الكبير عند الله. فالتضحية بالمال أو بالأنفس في سبيل الله تعكس الإيمان العميق وتعبّر عن طاعة للمولى. ولعل من أبرز الآيات التي تشير إلى أهمية هذه الشعائر قوله تعالى: “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ” (الحج: 32). وتأتي السُّنّة النبوية لتؤكد على أهمية الذبح كفعل تعبدي يتقرب به المسلم إلى الله، حيث يُعتبر سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن الصدقة أيضًا لها مكانتها الخاصة، فهي تكفير للذنوب وقد خُصصت من فضائلها الكثير، حيث أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تُنقص المال بل تزيده، وذُكرت في التراث الإسلامي كوسيلة للحصول على رحمة الله ودخول الجنة. ومع ذلك، قد يكون لكل منهما أفضلية حسب الملابسات التي تختلف من حالة لأخرى. لذا، ينبغي فهم أيهما أفضل في سياقات مختلفة لتحديد الطريقة الأنسب للعبادة.
1– في عيد الأضحى
تعتبر الأضحية شعيرة أساسية في عيد الأضحى، إذ يُطلب من المسلمين الذبح اقتداءً بسنة النبي إبراهيم عليه السلام. وقد أوضح الشيخ السيد عبد الرحمن عبد المقصود في فتوى له أن الأضحية تُعتبر واجباً ولا يمكن استبدالها بالصدقة، وبذلك تُثبت مكانة الذبح في هذا الخصوص. حيث يعتبر جمهور العلماء ذلك أيضًا، إذ يذكر الإمام مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد أن الأضحية لها الأولوية. وفي ذلك يشير ابن المسيب إلى أن “لأن أضحى بشاة أحب إلى من أن أتصدق بمائة درهم”، مما يُبرز فضل التي يتوصل إليها من الذبح في هذا السياق.
ووفقًا لما ذكره ابن القيم، فإن التفنن في الطاعات ضروري، ومن الجلي أنه في حالة الأضحية، فإن الذبح أفضل بكثير من مجرد التصدق بقيمتها. فهو يُعبر عن شعيرة عظيمة تجسد الإيمان والامتثال لأوامر الله.
كما يُشارك الإمام النووي برأيه في المجموع موضحًا أن “مذهبنا أن الأضحية أفضل من صدقة التطوع، للأحاديث الصحيحة المشهورة في فضل الأضحية، ولأنها مختلف في وجوبها، بخلاف صدقة التطوع، ولأن الأضحية شعار ظاهر”. ويتضح من ذلك أهمية الأضحية في الاحتفال بعيد الأضحى، لذلك ينبغي أن يأخذ المسلم ذلك بعين الاعتبار.
تتأكد الفوائد الكثيرة التي تنبع من الأضحية، إذ أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضلها الكبير بحيث تُحمل قرونها وشعيراتها لتكون شفاعتها يوم القيامة. وتمثل الأضحية بذلك إحدى المشروعات التي تُعبر عن أسمى معاني الإيمان والامتثال لله سبحانه وتعالى.
2– للشفاء من المرض
عند تعرض أحد الأشخاص للمرض، قد يستطيع أقاربه اتخاذ خطوات مثل إخراج الصدقة أو الذبح بقصد الشفاء، لكن السؤال البارز هنا هو: أيهما أفضل، الذبح أم الصدقة؟ وفي حديثه، يشير الشيخ عويضة عثمان من دار الإفتاء المصرية إلى أن شفاء المريض هو بيد الله وحده. مشيراً إلى أنه لم يرد نص إلهي أو حديث يدل على أن الذبح يُعزز من فرصة شفاء المريض، في حين أن الصدقة تعد من الطرق المعتمدة للكشف عن كرب المُعذبين.
بالإضافة إلى ذلك، يوضح الشيخ كيف أن الصدقة تُعتبر من أسباب الشفاء، فإخراجها يُعد من الأعمال التي يرتقي بها الإنسان في درجاته عند الله. وتدل الآيات والأحاديث على أهمية الصدقة كوسيلة للشكر في مواجهات الأزمات، لذا يمكن للمسلم أن يُعبّر عن شكره لله على الشفاء من خلال الصدقة أو الذبح وتوزيع اللحم، وهذا مما يكون جائزاً.
حكم التضحية
وفقًا للشريعة الإسلامية، تعتبر التضحية بسنة مؤكدة وجب على المسلم الالتزام بها في أي وقت، خصوصًا في عيد الأضحى. فقد ورد عن النبي أنه قال: “إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا”، وهو دليل قوي على أن الأضحية لا تتعلق فقط بالمناسبات ولكن تكون دائمًا مطلوبة في الإسلام.
أما مذهب أبي حنيفة، فقد أكد أن الأضحية واجبة ويدعم ذلك عدد من العلماء مثل المروري وربيعة وغيرهم. يتضح من ذلك أهمية الأضحية وحكمها في الإسلام، حيث تُعتبر أحد الأسس الرئيسية التي يتقرب بها المسلم إلى الله. كما أنها تجسد قيم العطاء والإخلاص في العبادات.
فضل الصدقة
من جهة أخرى، فإن الصدقة تعتبر من أعمال الطاعة المحبوبة لدى الله، تتمثل فوائدها العديدة، من بينها:
- تعمل على تكفير السيئات، فكلما أخرج المسلم صدقة تبتعد عنه الذنوب، حيث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار).
- تنمي المال وتزيد من بركته، حيث يُعد هذا الوضع تذكيرًا من الله بأن الله يضاعف ثواب المتصدقين كما يبين في الآيات القرآنية.
- تحمي المتصدقين من الأذى وتحفر مكان في الآخرة للراحة والطمأنينة، إن اتبعوا أوامر الله بإخراج الصدقات.
- تخلق المُناخ الروحي الذي يدعو للود والأخوة بين الناس.
- تحظى بدعاء الملائكة، حيث يُقال عن المتصدقين: (اللهم أعطِ مُنفِقًا خَلفًا).
في النهاية، نجد أن لكل من الصدقة والذبح فوائد جمة، لكن تُعتبر الصدقة أفضل عند الحاجة والطلب، والذبح يتساوى مع تقدير الأوضاع حسب الزمان والمكان. لذا، يتوجب على المسلم فهم هذا التبسيط والتأكيد على أهمية العمل بما يُرضي الله لعباده.