اسلاميات

التكبير في العشر من ذي الحجة: عبادة تعزز الإيمان وتجمع القلوب على الطاعة والعبادة

يعتبر التكبير في العشر من ذي الحجة من أبرز العبادات التي يؤديها المسلم تقرباً إلى الله تعالى،فهو يمثل تعبيرًا عن شكر العبد لربه ورغبته في تعزيز العلاقة بينهما،تعتبر هذه الأيام من أفضل الأيام عند الله، وفيها تتضاعف الحسنات وتغفر الذنوب، مما يحفز المؤمنين على اغتنام الفرصة للذكر والعبادة،لذا، سيكون من المهم تسليط الضوء على أحكام التكبير في هذه الأيام المباركة، والأدلة المتعلقة بذلك، مما يعزز فهم المسلمين لأهمية هذه العبادة.

سيتناول هذا البحث التفصيل حول مشروعية التكبير في العشر من ذي الحجة، بدءًا من التعريف به، مرورًا بأهمية التكبير وأدلة مشروعيته في القرآن والسنة،إضافةً إلى تسليط الضوء على كيفية أداء هذه العبادة وصيغ التكبير،وسنستعرض أيضًا الممارسات الناتجة عن ذلك في عهد الصحابة، مما يسهم في إيصال الفهم الصحيح حول هذه العبادة العظيمة.

التكبير في العشر من ذي الحجة

يُعرف التكبير في العشر من ذي الحجة بأنه تكبير مطلق، وهو العبادة المتجسّدة بالذكر، حيث يُمكن أداؤه في أي وقت وأي مكان،وقد أوضح الإمام النووي في كتابه المجموع، أن التكبير المطلق لا يتقيد بزمان أو مكان، بل يمكن أن يتم في المنازل، المساجد، الطرقات، على مدار اليوم.

هذا التأكيد ينذر بمدى أهمية التكبير في هذه الأيام، وقد اتفق علماء آخرون، مثل ابن رجب في “فتح الباري” على هذا المعنى،وبالتالي، يعتبر التكبير في العشر من ذي الحجة واحدًا من أبرز أساليب التعبير عن الإيمان ومن أفضل الأعمال التي يمكن أن تقرب العبد من ربه.

حكم التكبير المطلق في الشرع

إن التكبير في العشر من ذي الحجة يُعتبر عبادة مستحبة، حيث يُداوم عليها من اليوم الأول من الشهر وحتى غروب الشمس في اليوم الثالث عشر، ويشمل ذلك تكبيرات أيام التشريق كجزء من هذه العبادة،وقد ذكر الفقيه الحنبلي علاء الدين المرداوي تفاصيل هذا الحكم في كتابه “الإنصاف”.

كما يجب أن نعرف أن العلماء كابن باز أشاروا إلى أن الفترة المناسبة للتكبير تشمل أيام الأضحى حتى نهاية أيام التشريق، وبالتالي، يُنظر إلى التكبير كوسيلة لإحياء هذه الأيام المباركة من خلال الاقتراب إلى الله،كما أشار ابن عثيمين في كتاباته إلى أن التكبير سيستمر حتى غروب الشمس في آخر أيام التشريق، مما يعكس أهمية هذه العبادة.

الأدلة على التكبير في العشر من ذي الحجة

هناك العديد من الأدلّة التي يمكن الاستشهاد بها لإثبات مشروعية التكبير في العشر من ذي الحجة،حيث قال الله تعالى في سورة الحج “لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ” (الحج 28)،وقد فسر ابن عباس هذه الآية بأنها تشير إلى أيام العشر، مستندًا إلى ما ورد في كتب الحديث.

التكبير يعبر عن ذكر الله في هذه الأيام، وهو انعكاس للأمر الإلهي بالذكر في تلك الأيام التي حددها الله، وكذلك ابن تيمية أشار إلى أن الأيام المذكورة تشير إلى أيام الذبح، وبالتالي فإن التكبير يعد جزءًا من الذكر المطلوب في تلك الأيام.

علاوة على ذلك، نجد أن ابن عمر وابن عباس كانوا يكبرون في شوارع المدينة ويحثون الناس على تقليدهم في تلك الأيام، مما يظهر أهمية التكبير كعادة مجتمعية دينية.

حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأيام العشر

قد وردت عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبه المؤمنين لأهمية الأعمال الصالحة وأثرها العظيم في تلك الأيام المباركة،فقد قال عبد بن عمر رضي الله عنهما “ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ”،هذه الأحاديث تؤكد أهمية تكثيف العبادة في تلك الأيام.

هذا الحديث يظهر فضائل العمل الصالح في الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، وهو تذكير للمؤمنين بضرورة تجديد العهد مع الله من خلال الأعمال الصالحة التي تُعطي أجرًا عظيمًا،لذا، يستحب للمسلم أن يستمر في الذكر والدعاء، مع التركيز على بعض الأذكار، مثل التهليل والتكبير، مما يضمن الأجر والتقرب إلى الله.

الأدلة على التكبير في أيام التشريق بعد العشر من ذي الحجة

ذكر الله سبحانه وتعالى في آية (البقرة 203) “وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ”، وقد جاء في تفسير ابن كثير أن هذه الأيام تشير إلى أيام التشريق (يوم النحر وثلاثة أيام تليه)،وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أيام التشريق أيام مخصصة لذكر الله.

كما أضاف العثيمين في “الشرح الممتع” أن التكبير يُعتبر جزءًا من ذكر الله في تلك الأيام، مما يدل على أن التكبير يُمارس بصورة مستمرة خلال فترة الأعياد.

صيغ التكبير في الأيام العشر

ليست هناك صيغة محددة للتكبير في العشر من ذي الحجة، بل يمكن للمسلم أن يختار مما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم،وتتميز صيغ التكبير بتنوعها، مما يمنح المسلم فرصة للتعبير عن عبادته بأكثر من شكل،من بين الصيغ المختلفة، نجد

1،اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.

2،اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً.

3،اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ.

4،اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً، اللَّهُ أَكْبَرُ وأجَلُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ.

بهذه الطريقة، نجد أن التكبير هو وسيلة قوية للتعبير عن الشكر والامتنان لله, مما يعزز الروح الجماعية خلال تلك الأيام المباركة.

في الختام، يظهر التكبير في العشر من ذي الحجة كإحدى أهم العبادات التي يلزم على المسلم الحرص عليها، مع الالتزام ببذل الجهد في الأعمال الصالحة الأخرى،يجب علينا أن نجعل من ذكر الله جزءًا لا يتجزأ من حياتنا خلال هذه الأيام المباركة، للحفاظ على ارتباطنا الروحي مع رب العزة والجلالة، والاستفادة من اللطف الإلهي الذي يُنعم به علينا في هذه الأوقات.